أعمى يسدد الهدف ( الجزء الثاني )
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
أعمى يسدد الهدف ( الجزء الثاني )
كبر سالم .. بدأ يحبو .. كانت حبوته غريبة .. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي .. فاكتشفنا أنّه أعرج .. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر .. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً .. مرّت السنوات .. وكبر سالم .. وكبر أخواه .. كنت لا أحب الجلوس في البيت .. دائماً مع أصحابي .. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم .. لم تيأس زوجتي من إصلاحي.. كانت تدعو لي دائماً بالهداية .. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة .. لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته .. كبر سالم .. وكبُر معه همي .. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين .. لم أكن أحس بمرور السنوات .. أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر .في يوم جمعة .. استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً.. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي .. كنت مدعواً إلى وليمة .. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج .. مررت بصالة المنزل .. استوقفني منظر سالم .. كان يبكي بحرقة ! إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً .. عشر سنوات مضت .. لم ألتفت إليه .. حاولت أن أتجاهله .. فلم أحتمل .. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة .. التفت .. ثم اقتربت منه .. قلت : سالم ! لماذا تبكي ؟! حين سمع صوتي توقّف عن البكاء .. فلما شعر بقربي .. بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين .. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني !! وكأنه يقول : الآن أحسست بي .. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته .. كان قد دخل غرفته .. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه .. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه .. وأنا أستمع إليه وأنتفض .. تدري ما السبب !! تأخّر عليه أخوه عمر .. الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد .. ولأنها صلاة جمعة .. خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل .. نادى عمر .. ونادى والدته .. ولكن لا مجيب .. فبكى .. أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين .. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه .. وضعت يدي على فمه .. وقلت : لذلك بكيت يا سالم !!.. قال : نعم .. نسيت أصحابي .ونسيت الوليمة .. وقلت : سالم لا تحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟ .. قال : أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً .. قلت : لا .. بل أنا سأذهب بك .. دهش سالم .. لم يصدّق .. ظنّ أنّي أسخر منه .. استعبر ثم بكى .. مسحت دموعه بيدي .. وأمسكت يده .. أردت أن أوصله بالسيّارة .. رفض قائلاً : المسجد قريب .. أريد أن أخطو إلى المسجد .. - إي والله قال لي ذلك - .. لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد .. لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف .. والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية .. كان المسجد مليئاً بالمصلّين .. إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل ..استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي .. بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه .. بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً .. استغربت !! كيف سيقرأ وهو أعمى ؟ كدت أن أتجاهل طلبه .. لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره .. ناولته المصحف .. طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف.. أخذت أقلب الصفحات تارة .. وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها .. أخذ مني المصحف .. ثم وضعه أمامه .. وبدأ في قراءة السورة .. وعيناه مغمضتان .. يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة !! خجلت من نفسي.. أمسكت مصحفاً .. أحسست برعشة في أوصالي.. قرأت .. وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني .. لم أستطع الاحتمال .. فبدأت أبكي كالأطفال .. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة .. خجلت منهم .. فحاولت أن أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق .. لم أشعر إلاّ بيد صغيرة تتلمس وجهي .. ثم تمسح عنّي دموعي .. إنه سالم ! ضممته إلى صدري .. نظرت إليه .. قلت في نفسي .. لست أنت الأعمى .. بل أنا الأعمى .. حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار .. عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم .. لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم .. من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد .. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد.. ذقت طعم الإيمان معهم .. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا .. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر .. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر .. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس .. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي .. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي .. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم .. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها .. حمدت الله كثيراً على نعمه .. ذات يوم .. قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة .. تردّدت في الذهاب.. استخرت الله .. واستشرت زوجتي .. توقعت أنها سترفض .. لكن حدث العكس ! فرحت كثيراً .. بل شجّعتني ..فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً .. توجهت إلى سالم .. أخبرته أني مسافر .. ضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً .. تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف .. كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي .. اشتقت إليهم كثيراً .. آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته .. هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت .. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم .. كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه .. كانت تضحك فرحاً وبشراً .. إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها .. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة .. تغيّر صوتها .. قلت لها : أبلغي سلامي لسالم .. فقالت : إن شاء الله .. وسكتت .. أخيراً عدت إلى المنزل .. طرقت الباب .. تمنّيت أن يفتح لي سالم .. لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره .. حملته بين ذراعي وهو يصرخ : بابا .. يابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت .. استعذت بالله من الشيطان الرجيم .. أقبلت إليّ زوجتي .. كان وجهها متغيراً .. كأنها تتصنع الفرح .. تأمّلتها جيداً .. ثم سألتها : ما بكِ؟ قالت : لا شيء .. فجأة تذكّرت سالماً .. فقلت .. أين سالم ؟ خفضت رأسها .. لم تجب.سقطت دمعات حارة على خديها .. صرخت بها .. سالم .. أين سالم ؟لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلثغته : بابا .. ثالم لاح الجنّة .. عند الله.. لم تتحمل زوجتي الموقف .. أجهشت بالبكاء .. كادت أن تسقط على الأرض .. فخرجت من الغرفة .. عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين .. فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى .. ولم تفارقه..حين فارقت روحه جسده...
** ** ** ** ** ** ** ** ** ** ** ** **
** ** ** ** ** ** ** ** ** ** ** ** **
"اتق له حيثما كنت وأتبع الحسنة السيئة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن "
*** فـــاعل خيـــــــر ***
أميرة فلسطين- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 382
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 12/07/2007
رد: أعمى يسدد الهدف ( الجزء الثاني )
جزااااااااااااكي الله كل الخير وياريت من يقرا الموضوع تكون عبرة له بجدموضوعك راااااااااااااااااااااااااااااااااااائع وبارك الله فيكي
رد: أعمى يسدد الهدف ( الجزء الثاني )
يا ريت
لكن مين يقرأ
ولا مين؟؟؟؟؟
ولا مين!!!!!!!!!
ولا مين.........................
لكن مين يقرأ
ولا مين؟؟؟؟؟
ولا مين!!!!!!!!!
ولا مين.........................
أميرة فلسطين- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 382
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 12/07/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى